العترة الطاهرة ورثة الكتاب وحملة علم الرسول (ص ): قـال رسـول اللّه (ص ): ((اني تارك فيكم الثقلين , كتاب اللّه وعترتي اءهل بيتي , وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ))..,وقال : ((ماان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي اءبدا...)) ((1)) .
حـديـث مـتـواتر بين الفريقين , قاله (ص ) خطابا لجميع اءمته عبر العصور... فقد هداهم الى معالم الـحـياة التي ان ساروا على هديها اهتدوا وبلغوا السعادة ..., وان حادوا عنها هوواوجلبوا لانفسهم الشقاء. ((مثل اءهل بيتي كسفينة نوح , من ركبها نجا, ومن تخلف عنها غرق وهوى )) ((2)) . ومـعـنى عدم افتراق اءحدهما عن الاخر: اءن الاهتداء باءحدهما واغفال الاخر, مما لا يمكن لسالك سـبيل الرشاد, فلئن كان موضع الكتاب من الدين موضع عرض اءصول التشريع فان البيان والتفصيل من وظيفة العترة الطاهرة (ع ) من اءهل بيت الرسول (ص ). وكما كان موضع النبي من القرآن الكريم موضع بلاغ وبيان , فكذلك موضع اءهل بيته الطاهرين (ع ) مـوضع اءداء وايفاء, انهم خلفاؤه في اءداء رسالة اللّه عز وجل في الارضين ,والايفاء ببيان شريعته فـي الـخـافـقـين . فهم باب علمه , ومستودع حكمته , والمؤدون عنه ,والشهداء على الخلق , ليكون الرسول عليهم شهيدا. قـال الـصادق (ع ) في قوله تعالى :(فكيف اذا جئنا من كل اءمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاءشهيدا), ((نـزلـت فـي اءمـة مـحـمـد (ص ) خـاصة , في كل قرن منهم امام منا شاهد عليهم , ومحمدشاهد علينا..)) ((3)) .
قال الامام اءمير المؤمنين علي (ع ): ((ان اللّه طهرنا وجعلنا شهداء على خلقه , وحجته على من في اءرضه , وجعلنا مع القرآن , وجعل القرآن معنا, لانفارقه ولا يفارقنا...)) ((4)) . وقـال الامام الصادق (ع ): في قوله تعالى : (ثم اءورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا..),((هم آل محمد (ص ) ...)) ((5)) . قـال الامـام الـبـاقـر (ع ) لـعـمـرو بن عبيد: ((فانما على الناس اءن يقراءوا القرآن كما اءنزل , فاذااحتاجوا الى تفسيره , فالاهتداء بنا والينا يا عمرو)) ((6)) .
وقـال الامام الكاظم (ع ): ((نحن الذين اصطفانا اللّه . فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شي ء..)) ((7)) . وقال الامام الصادق (ع ): في قوله تعالى : (فاساءلوا اءهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ) ((8)) , ((كـتـاب اللّه الـذكـر, واءهـلـه آل مـحمد الذين اءمر اللّه بسؤالهم , ولم يؤمروا بسؤال الجهال ...,وسمى اللّه القرآن ذكرا, فقال : (واءنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون ))) ((9)) . والايـة وان كانت نزلت بشاءن اءهل الكتاب خطابا لمشركي العرب , لكن تاءويلها عام شامل ((10)) , ومن اءظهر مصاديقها الائمة من اءهل البيت (ع ). ومـن ثـم لما ساءل عبيدة السلماني وعلقمة بن قيس والاسود بن يزيد النخعي , الامام اءميرالمؤمنين (ع ): من يساءلون اذا اءشكل عليهم شي ء من القرآن ؟ قال : ((سلوا عن ذلك آل محمد...)) ((11)) . قـال الامـام الـصـادق (ع ): ((انـا اءهـل بـيـت لـم يـزل اللّه يـبـعـث منا من يعلم كتابه من اءوله الى آخره ...)) ((12)) .
وقـال الامـام اءبو جعفر الصادق (ع ): ((ان العلم الذي نزل مع آدم , لم يرفع , والعلم يتوارث .وكان على عالم هذه الاءمة .. قال : وانه لم يهلك منا عالم قط الا خلفه من اءهله من علم مثل علمه , اءو ماشاءاللّه ...)) ((13)) . وفـي ذلـك يـقـول رسـول اللّه (ص ): ((يـحـمـل هـذا الـديـن فـي كل قرن عدول , ينفون عنه تاءويل المبطلين , وتحريف الغالين , وانتحال الجاهلين , كما ينفي الكير خبث الحديد)) ((14)) . اءهل البيت (ع ) في حياة الرسول (ص ) كان علي (ع ) مثل النبى (ص ) ومثله الظاهر المتمثل فيه شخصيته الكريمة .., والذي قال فيه النبي (ص ): ((انـك تـسمع ما اءسمع , وترى ما اءرى , الا اءنك لست بنبى .. ...)) ((15)) .
يعني اءنه كان يحمل في طيه ذلك الحس المرهف الذي كان النبي منعما به , سوى اءنه ليس بنبي . وقال رسول اللّه (ص ): ((ان لعلى علما بكتاب اللّه وسنتي , ليس لاحد من اءمتي . يعلم جميع علمي . ان اللّه عـلـمني علما لا يعلمه غيري , واءمرني اءن اءعلمه عليا, ففعلت ...)). قال :((وان اللّه علمه الحكمة وفصل الخطاب ...)) ((16)) .
قال علي (ع ): ((وليس كل اءصحاب رسول اللّه (ص ) كان يساءله فيفهم , وكان منهم من يساءله ولا يستفهم .., وكنت اءدخل عليه كل يوم دخلة , وكل ليلة دخلة , فيخليني فيها اءدورمعه حيث دار. وقد عـلـم اءصـحـاب رسـول اللّه اءنـه لم يكن يصنع ذلك باءحد غيري , اذا ساءلته اءجابني , واذا سكت اءونـفـدت مـسـائلـي ابتداءني , فما نزلت عليه آية من القرآن الا اءقراءنيهاواءملاها على , فكتبتها بـخـطي , ودعـا اللّه اءن يفهمني اياها ويحفظني . فما نسيت آية من كتاب اللّه منذ حفظتها. وعلمني تاءويلها, فحفظته واءملى على فكتبته . ... ثم وضع يده على صدري ودعا اللّه اءن يملا قلبي علما وفهما وفقها وحكما ونورا, واءن يعلمني فلا اءجهل , واءن يحفظني فلا اءنسى ...)) ((17)) .
واخـتـلـف جماعة في قراءة آي من القرآن ,فجاء بهم ابن مسعود الى النبي (ص ), وعلى (ع )عنده , فقراء كل قراءته ... فاءسر النبى الى على , فقال على : ((رسول اللّه ياءمركم اءن يقراء كل رجل منكم كما علم ...)). قال الحاكم : هذا حديث صحيح الاسناد: ((18)) . وكان النبي (ص ) يحفظ عليه مانزل من الايات اذا كان غائبا.. قال سليم بن قيس الهلالى ـ وقد عده النجاشى من الطبقة الاءولى من زمرة السلف الصالح ـ ((19)) : جلست الى على (ع ) بالكوفة في المسجد والناس حوله , فقال : ((سلوني قبل اءن تفقدوني , سلوني عن كـتـاب اللّه , فـواللّه مـانـزلـت آيـة مـن كتاب اللّه الا وقد اءقراءنيها رسول اللّه (ص ) وعلمني تاءويلها...)) فـقـال ابـن الكوا ـ وهو عبداللّه بن عمرو اليشكرى , عالم نسابة , ومسائله مع اءميرالمؤمنين (ع ) معروفة ـ: فما كان ينزل عليه واءنت غائب ؟ قـال : ((بـلـى , يـحفظ على ما غبت عنه , فاذا قدمت عليه قال لي : يا على اءنزل اللّه بعدك كذاوكذا, فيقرئنيه , وتاءويله كذا وكذا فيعلمنيه ..)) ((20)) . نعم , لم يكن اءحد اءمس برسول اللّه (ص ) من على (ع ) في سبيل اكتساب المعالي , كما لم ياءل النبى (ص ) جـهـدا في تربية على وتعليمه وتهذيبه , حتى اءصبح مستودع علمه , وينبوع حكمته .. الامر الـذي كـان مـعـروفـا فـي حـياة النبى (ص ), ومشهودا للجميع .. ومن ثم قال (ص ): ((على عيبة علمي )). وهذا العلم الذي علمه النبي (ص ) قد توارثه اءولاده الاطيبون الائمة من اءهل بيته (ع ). قـال الامام الصادق (ع ): ((ان اللّه علم نبيه التنزيل والتاءويل , فعلم رسول اللّه (ص ) علياوعلمنا, واللّه ..)) ((21)) .
وهكذا امتد العلم واستمر في ذرية رسول اللّه (ص ) باقيا, لا ينقطع .. شهادات وافادات : هناك شهادات ضافية من الصحابة , وافادات وافية من التابعين لهم باحسان , تنبؤك عن مدى فضيلة هذا الـبـيـت الرفيع , ومكانته السامية في اءفق العلم والمعرفة والكمال , بماجعلهم مراجع الاءمة في كل اءدوار تاريخ الاسلام المجيد. هـذا الصحابى الجليل عبد اللّه بن مسعود, وهو من اءكبر الصحابة قدرا, واءجلهم شاءنا, تراه يشهد شـهادته العالية برفعة مقام شاخص هدا البيت الامام اءميرالمؤمنين (ع ), واءنه تتلمذعليه فيما تلقاه من العلوم والمعارف , حتى في حياة الصادع بالرسالة الامين , ـ صلوات اللّه عليه وآله . اءخرج اءبو جعفر الطوسى في اءماليه , باسناده الى ابن مسعود, قال : قراءت على النبى (ص ) سـبـعـيـن سـورة مـن الـقـرآن , اءخـذتـها من فيه .. وقراءت سائر القرآن على خير هذه الاءمة واءقضاهم بعد نبيهم على بن اءبي طالب (ع ) ((22)) . واءخـرج ابن عساكر في ترجمة الامام باسناده الى عبيدة السلماني , قال : سمعت عبداللّه بن مسعود يقول : لو اءعلم اءحدا اءعلم بكتاب اللّه مني تبلغه المطايا.. فقال له رجل : فاءين اءنت من على ؟ قال : به بداءت , اني قراءت عليه ... ((23)) .
واءخرج ابن زاذان عنه قال : قراءت على رسول اللّه (ص ) تسعين سورة , وختمت القرآن على خير الناس بعده . قيل له : من هو؟ قال : على بن اءبي طالب ... ((24)) . وهـوالـقـائل : ان الـقـرآن اءنـزل عـلى سبعة اءحرف , ما منها حرف الا له ظهر وبطن , وان على بن اءبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن ... ((25)) . واءخـرج الحاكم الحسكانى باسناده الى علقمة , عن عبد اللّه قال : كنت عند رسول اللّه (ص ) فسئل عـن على فقال : ((قسمت الحكمة عشرة اءجزاء, فاءعطي على تسعة اءجزاء,واءعطي الناس جزءا واحدا ... ((26)) .
الى غيرها من شهادات راقية بشاءن علم هذا البيت وشاخصه الرفيع (ع ). وبـعـده مـن اءلـمع الصحابة صفحا, واءشرقهم وجها عبداللّه بن عباس , ترجمان القرآن , حبرهذه الامـة , وبـحرها الزاخر بالعلوم والمعارف , يرى اءن كل ما اءخذه في تفسير القرآن فهوعن الامام على بن اءبي طالب (ع ), ليس عن غيره . وهـوالـقـائل : قـسم علم الناس خمسة اءجزاء, فكان لعلى منها اءربعة اءجزاء, ولسائر الناس جزء, وشاركهم على في الجزء, فكان اءعلم به منهم . ((27)) اءخـرج الحاكم الحسكاني باسناده الى ابن عباس , قال : دعا عبد الرحمان بن عوف نفرا من اءصحاب رسـول اللّه (ص ) فـحـضـرت الـصلاة , فقدموا على بن اءبي طالب , لانه كان اءقراءهم . ((28)) واءخرج ابن طاووس عن طريق النقاش بالاسناد الى ابن عباس قال : وماعلمي وعلم اءصحاب محمد (ص ) في علم على الا كقطرة في سبعة اءبحر. ((29))
ولنقتصر على شهادة هذين العلمين , وهما اءعلم الصحابة بعد على (ع ), وكفى شهادتهمالجلاء الحق الصراح . وشهادات اءخر منهما ومن غيرهما ياءتي صفوها عند الكلام عن منزلة الامام لدى الاصحاب . واءمـا افادات التابعين فهي اءكثر واءوسع من اءن تستوعب , فلنذكر منها نماذج , فما لا يدرك كله لا يترك جله : اءخرج ابن عساكر باسناده الى مسروق بن الاجدع قال : انتهى العلم الى ثلاثة : عالم بالمدينة , وعالم بالشام , وعالم بالعراق .. فعالم المدينة على بن اءبي طالب , وعالم الكوفة عبد اللّه بن مسعود, وعالم الشام اءبو الدرداء. قال : فاذا التقوا, ساءل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة , وهو لم يساءلهم .. ((30))
اءنـظر الى هذا الوصف الجميل , كيف جعل المرجعية الكبرى في العالم الاسلامي ذلك اليوم ,خاصة بزعيم اءهل البيت , باب مدينة علم النبى (ص ) الامام اءميرالمؤمنين (ع ) وهوالقائل : جالست اءصحاب محمد (ص ) فوجدتهم كالاخاذ ـ يعني الغدير من الماء آفالاخاذ يروي الرجل , والاخاذ يروي الرجلين , والاخاذ يروي العشرة , والاخاذ يروي المئة , والاخاذ لونزل به اءهل الارض لاصدرهم . ((31)) يعني عليا (ع ) الذي ينحدر عنه السيل ,ولا يرقى اليه الطير. واءخـرج اءيـضا باسناده الى عبيدة السلماني , قال : صحبت عبداللّه بن مسعود سنة , ثم صحبت عليا, فكان فضل ما بينهما في العلم كفضل المهاجر على الاعرابي . ((32)) واءخرج عن اءبي عبدالرحمن السلمي , قال : ما راءيت اءحدا اءقراء لكتاب اللّه من على بن اءبي طالب (ع ). ((33)) وهوالذي اءقراء عاصما القراءة التي تلقاها من على (ع ), واءقراءها عاصم حفصا بالذات , وهي التي درج عليها المسلمون , ولايزالون . واءخرجها ابن الجذرى اءيضا عنه , وزاد: وهو من الذين حفظوه اءجمع بلاشك عندنا. ((34))
ويـعـجـبني هنا اءن اءنقل وصفين جميلين عن دور اءئمة اءهل البيت (ع ) في تفسير القرآن والعلم بتاءويله , ذكرهما علمان لامعان من اءعلام النقد والتحقيق في عالم الاسلام , هما: اءبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (467 ـ 548 هـ), صاحب الملل والنحل . والاخر: ابن حجر, اءحمد بن محمد الهيثمي (909 ـ 974), صاحب الصواعق : قال الشهرستانى : وخـص الـكـتاب بحملة من عترته (ص ) الطاهرة ونقلة من اءصحابه الزاكية الزاهرة , يتلونه حق تـلاوتـه , ويـدرسـونه حق دراسته , فالقرآن تركته , وهم ورثته , وهم اءحد الثقلين , وبهم مجمع الـبـحـريـن , ولهم قاب قوسين , وعندهم علم الكونين .. والعالمون ..., وكما كانت الملائكة ـ عليهم الـسـلام ـ مـعـقبات له من بين يديه ومن خلفه تنزيلا, كذلك كانت الائمة الهادية , والعلماء الصادقة معقبات له من بين يديه ومن خلفه تفسيرا وتاءويلا. (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ).
فتنزيل الذكر بالملائكة المعقبات , وحفظ الذكر بالعلماءالذين يعرفون تنزيله وتاءويله , ومحكمه ومتشابهه , ونـاسخه ومنسوخه , وعامه وخاصه ,ومجمله ومفصله , ومطلقه ومقيده , ونصه وظاهره , وظاهره وباطنه , ويحكمون فيه بحكم اللّه , من مفروغه ومستاءنفه , وتقديره وتكليفه , واءوامره وزواجره , وواجباته ومحظوراته ,وحلاله وحرامه , وحدوده واءحكامه .. بالحق واليقين , لا بالظن والتخمين .. اءولئك الذين هداهم اللّه واءولئك هم اءولو الالباب . ولـقد كانت الصحابة متفقين على اءن علم القرآن مخصوص باءهل البيت (ع ), اذ كانوايساءلون على بن اءبي طالب (ع ): هل خصصتم اءهل البيت دوننا بشي ء سوى القرآن ؟ فكان يقول : ((لا والذي فلق الحبة وبراء النسمة , الا بما في قراب سيفي )). قـال : فـاسـتـثـنـاء القرآن بالتخصيص , دليل على اجماعهم باءن القرآن وعلمه , وتنزيله وتاءويله مخصوص بهم ... ولقد كان حبر الامة عبد اللّه بن عباس ـ رضي اللّه عنه ـ مصدر تفسير جميع المفسرين آوقد دعا له رسول اللّه (ص ) باءن قال : ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التاءويل )), تتلمذ لعلي (ع ) حتى فقهه في الدين وعلمه التاءويل ... قـال : ولقد كنت على حداثة سني اءسمع تفسير القرآن من مشايخي سماعا مجردا, حتى دفقت فعلقته عـلـى اسـتـاذي نـاصر السنة اءبي القاسم سلمان بن ناصر الانصاري ـ رضي اللّه عنهما ـ تلقفا. ثم اءطلعتني مطالعات كلمات شريفة عن اءهل البيت واءوليائهم ـ رضي اللّه عنهم ـ على اءسرار دفينة واءصـول مـتـينة في علم القرآن , وناداني من هو في شاطى ء الوادي الايمن في البقعة المباركة من الشجرة الطيبة : (يا اءيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مـع الـصـادقين ). فطلبت الصادقين طلب العاشقين , فوجدت عبدا من عباد اللّه الصالحين ,كما طلب مـوسى (ع ) مع فتاه : (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما). فتعلمت منه مناهج الخلق والامر, ومدارج التضاد والترتيب , ووجهي العموم والخصوص , وحكمي المفروغ والـمـسـتـاءنـف , فـشبعت من هذا المعاء الواحد دون الامعاءالتي هي مكل الضلال ومداخل الجهال , وارتـويت من شرب التسليم بكاءس كان مزاجه من تسنيم , فاهتديت الى لسان القرآن , نظمه وترتيبه وبلاغته وجزالته وفصاحته وبراعته .. ((35)) .
ويقول عند تفسير قوله تعالى : فـالـقـرآن (هدى للناس ) عامة , (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ) خاصة , وهدى , وذكر للنبي (ص ) ولقومه اءخص من الاول والثاني (وانه لذكر لك ولقومك ). وقال ابن حجر ـ في مقارنة لطيفة بين الكتاب والعترة والسبب في تسميتهما ثقلين ـ: سمى رسول اللّه (ص ) القرآن وعترته ثقلين , لان الثقل كل نفيس خطير مصون , وهذان كذلك , اذ كـل مـنهما معدن للعلوم اللدنية , والاسرار والحكم العلية , والاحكام الشرعية .ولذا حث (ص ) على الاقتداء والتمسك بهم , والتعلم منهم , وقال : ((الحمد للّه الذي جعل فينا الحكمة اءهل البيت ..)). وقيل : سميا ثقلين , لثقل وجوب رعاية حقوقهما. ثـم الذين وقع الحث عليهم منهم انما هم العارفون بكتاب اللّه وسنة رسوله , اذ هم الذين لايفارقون الكتاب الى الحوض . ويؤيده الخبر السابق : ((ولا تعلموهم فانهم اءعلم منكم )).وتميزوا بذلك عن بـقية العلماء, لان اللّه اءذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا الـمتكاثرة .. وقد مر بعضها.. وسياءتي الخبر الذي في قريش :((وتعلموا منهم فانهم اءعلم منكم )), اذا ثـبـت هـذا لـعموم قريش , فاءهل البيت (ع ) اءولى منهم بذلك , لانهم امتازوا عنهم بخصوصيات لايشاركهم فيها بقية قريش . وفـي اءحاديث الحث على التمسك باءهل البيت اشارة الى عدم انقطاع متاءهل منهم للتمسك به الى يوم القيامة , كما اءن الكتاب العزيز كذلك .. ((36))
ولهذا كانوا اءمانا لاهل الارض ـ كما ياءتي ـ ويشهد لذلك الخبر السابق : ((في كل خلف من اءمتي عدول من اءهل بيتي ..)). ثم اءحق من يتمسك به منهم امامهم وعالمهم علي بن اءبي طالب (ع ), لما قدمنا من مزيد علمه ودقائق مستنبطاته .. ومن ثم قال اءبو بكر: علي عترة رسول اللّه (ص ) اءي الذي كان قد حث على التمسك بهم , فخصه .. والـمـراد بـالـعيبة والكرش ـ فى الخبر السابق ـ انهما موضع سره واءمانته ومعادن نفائس معارفه وحضرته .. ((37)) .
1- الفيروزآبادي في الفضائل الخمسة 2: 43 ـ 56.
2- المصدر نفسه 56 ـ 59.
3- الكافي 1 / 190, والاية 41, النساء.
4- بصائر الدرجات 83 / رقم 6.
5- المصدر نفسه , 46 / رقم 12, والاية 32, فاطر.
6- تفسير فرات : 258 / رقم 351. وعمرو بن عبيد هذا من زعماء المعتزلة , ومن العلماء الزهاد, وهو كثير التردد على اءئمة اءهل البيت (ع ), وله منهم مواقف مشرفة . قال حفص بن غياث : ما وصف لي اءحد الا وجدته دون الصفة الا عمرو بن عبيد, فوجدته فوق ما وصف لي .. قال : وما لقيت اءحدا اءزهد منه .مات سنة 142 (تهذيب التهذيب , 8: 70)
7- بصائر الدرجات / 114 / رقم 3, والكافي / 1 / رقم 7.
8- النحل : 43, والانبياء: 7.
9- بـصـائر الدرجات رقم 19, والكافي 1: 295 / رقم 3, وشواهد التنزيل للحسكاني /334, والاية : 16, النحل .
10- لان لـحـن الكلام ارشاد الى حكم العقل بوجوب رجوع الجاهل الى العالم اءيا كان , اذاكان انما ينطق عن صدق وعن علم . ومن ثم استند رسول اللّه (ص ) الى هذه الاية في قوله : ((لا ينبغي للعالم اءن يسكت على علمه , ولا ينبغي للجاهل اءن يسكت على جهله )).(الدر المنثور 4 : 119).
11- المصدر نفسه / 196 / رقم 9.
12- المصدر نفسه / 196 / رقم 6.
13- الكافي 1:222 / رقم 2.
14- اخـتـيـار مـعرفة الرجال : الكشي : 4 / رقم 5, والكير: زق اءوجلد غليظ ذو حافات ينفخ به الحداد.
15- نهج البلاغة 1 : 301 (صبحي الصالح )), الخطبة القاصعة , رقم 192.
16- فـي حديث طويل مع ابنته فاطمة الزهراء صلوات اللّه وسلامه عليها... رواه سليم في كتابه : 71.
17- كتاب سليم : 106.
18- ابن شهر آشوب في المناقب 2: 42, وتفسير الطبري 1: 10, ومستدرك الحاكم 2 :223 ـ 224.
19- توفي مختفيا عن الحجاج حدود سنة 90.
20- كتاب سليم برواية اءبان بن عياش البصري التابعي : 213 ـ 214.
21- المولى الفتوني في مرآة الانوار: 15.
22- اءمـالي الطوسي 2: 219. واذ كنا نعرف اءن السور المكية لا تعدو ستا وثمانين سورة ,يعرف مدى سابقة تعلم ابن مسعود من علي (ع ) في وقت مبكر جدا..
23- تاريخ دمشق ـ ترجمة الامام 3: 25 ـ 26 / رقم 1409.
24- المصدر نفسه : رقم 1051, وراجع سعد السعود لابن طاووس : 285, والبحار 89:105.
25- اءخرجه ابن عساكر اءيضا. المصدر / رقم 1048.
26- شواهد التنزيل 1 : 105 / رقم 146.
27- تاريخ دمشق ـ ترجمة الامام ـ 3 : 45 ـ 46. 28شواهد التنزيل 1:23 / رقم 16.
29- سعد السعود: 285.
30- تاريخ دمشق ـ ترجمة الامام ـ 3 : 51 / رقم 1086.
31- التفسير والمفسرون للذهبي 1 : 36.
32- تاريخ دمشق ـ ترجمة الامام ـ 3: 49 / رقم 1081.
33- المصدر نفسه 27 / رقم 1052.
34- غاية النهاية 1 : 546 / رقم 2234.
35- راجع مقدمته في التفسير الذي عنونه باسم ((مفاتيح الاسرار ومصابيح الابرار))مخطوط.
36- في هذا التعبير وهذا التشبيه دقيقة لا تخفى على اءهل الدقة والنظر. 37- راجع : الصواعق المحرقة , الطبعة الاولى : 90.